النزول للوادي

النزول للوادي كان دايما مثل كأنه أنا نازل على رحلة في الذاكرة، أكثر من اني عم بروح على رحلة في الطبيعة.

وأنا صغير كنت أمشي على طريق ترابية جنب البيت عشان أنزل على قطعة أرض بالسهل في شعفاط، كنت ألعب فيها فطبول مع ولاد الحارة. هي كانت المكان الوحيد اللي نقدر نلعب فيه بعيد عن الشارع اللي ملان سيارات واللي شوي شوي عم بتوسع وبياكل في طفولتنا وذكرياتنا.

النزول للوادي هو ذات هاي التجربة عم تتكرر. كل مرة بننزل هناك بنشوف كيف المشهد عم يتغير وكيف الوادي شوي شوي عم بختفي من قدامنا. كل ما العمارات عم تطلع لفوق عم تمحي معها تفاصيل صغيرة وعم بتغير معها خط الأفق. يمكن عشان هيك كل مرة كنت اختار اني أسلك طريق مختلف (خارطة ٤)، عشان ما أحس اني عم بخسر الوادي قدام التقدم العمراني الموجود.  

المشي على التربة والمشي على مسارات مرسومة في الأرض يلي ناس قبلينا مشيتها كانت دايما تذكرني في قصيدة  لروبرت فروست:

فى خريف الغابة الصفراء

 فجأة طريقى لدربين انشطر

 ولأسفى لم أستطع فيهما

 معاً السفر

سأحكى قصتى هذه ِ

 وفى القلبِ تنهيدة عندما تمرُ السنوات ُ

 وأنا فى أرض ٍ بعيدة

 أن طريقين انشطرا فى غابة ٍ فريدة 

وسلكتُ الدرب َ الذى عَبَرَته ُ أقدام ٌ قليلة 

وهذا ما غيَرَ حياتي لأحققَ أحلاماً جليلة.

أخذ الطريق الأقل سفرا فيه شيء من الذهاب إلى  المجهول، فيه نوع من الاكتشاف والتفكر بطريقة مختلفة مع انه احتمالية الوجع فيها اكتر بسبب الأشواك والنباتات البرية.30 لكن  في اعتقادي الاكتشاف دائما محفوف في الألم وفي نوع من أنواع المخاطرة. كان دايماً في اشي يزعجني لما يجوا زوار جدد على الوادي ويكونوا غير جاهزين للتعامل مع الشوك او الألم. بالنسبة إلي هذا بعكس قلة انخراطنا في الطبيعة. 

النزول للوادي وخصوصا في منطقة الانحدار الكبير كانت دايما تذكرني في مية المطر في آخر الوادي. طبعا عرفنا بعدين انه فعلا مياه الأمطار بتصب في آخر الوادي،31 لكن الشعور كان موجود قبل المعرفة. الانسياب في نفس اتجاه الماء كان دايما مخيف بالنسبة الي. فيه نوع من انواع الانحدار على اكتر من مستوى. هو نوع من أنواع السراب اللي بدفعك للوصول لعمق الوادي من دون ما تعرفه منيح. يمكن عشان هيك الصخور شغلتني بالبداية، عشان امنع حالي من الخوف. التركيز على الشيء القريب اكتر من الأشياء البعيد هي الصراحه آلية بستخدمها عشان اتعامل مع قلق الحياة اليومية. بتقدر تتخيل انه الوادي هو رغيف خبز كبير . كيف بناكل رغيف الخبز الكبير؟ لقمة لقمة… وبالضبط هيك الوادي كمان. كيف بتنزل الوادي من دون ما تخاف؟ بتنزل الوادي حجر حجر… ما بتقدرش تكون زي مية المطر اللي بتنحدر على آخره من دون ما تمسك حجر حجر.

في آخر الوادي في هدوء، في خضار وفي صخور. كأنه الوادي بعطيك مكافأة انك جيت زرته. مثل كأنه بقولك استمتع في كل اشي عم بتعمله. بس الاشي اللي شوي غريب هو أنه بتحسه بحوطك من كل مكان، زي كأنه بمنعك تعرف من وين جيت وكيف دخلت. بس بيكشفك منيح على الزحف العمراني اللي عم يتمدد من كل اتجاه وبذكرك شو عم بصير في الوادي.

عبدو جولاني

٣٠- كتبت أم شاكر على صفحتها "عيون بيت حنينا" عن نبات شوكي ينتشر على الجبال والصخور في فلسطين وتحدثت عن استخداماته في قرية بيت حنينا:

٣١-  كتب أستاذ عبد الله في روايته "معيوف" عن هطول الامطار وتجمع المياه في وادي بيت حنينا أيام الشتاء:

المصدر: عبد الله دعيس، معيوف (القدس: دار الجندي للنشر والتوزيع، ٢٠١٦) ،٢٨-٢٩


 خارطة لقرية بيت حنينا تظهر الوديان، الخرب، العيون، المحاجر والأسماء المتداولة للمناطق المختلفة، المصدر: محمد شاكر عبد الله، بيت حنينا: الأرض والتاريخ والانسان (القدس: المطبعة العربية الحديثة، ١٩٩٣)، ١٢-١٣