أبعد من الجسر
امبارح نزلت على الوادي لحالي. كان ضايل ساعة للغروب بس كان عندي مهمة براسي اللي حابة اعملها قبل ما تصير عتمة كتير. كنت حابة امشي أبعد من الجسر، أشوف وين الوادي باخدني وايمتا ببطل قادرة أمشي أكتر.
دايماً كان يزعجني انه مشياتنا بالغالب بتوقف عند شارع بيچين. متل كأنه تبنينا الحدود الجيوسياسية اللي انفرضت على الوادي وقسمته.
وانا بالطريق لاحظت شوية تغييرات بالحارة. بيوت التنك اللي كانت للبدو انشالت وانكشف وراها الجبل المحفور. علي ما يبدو انه مع العمارات الجديدة البدو صار لازم يهدوا مساكنهم ويرحلوا. بالزاوية كان في خيمة وناس قاعدة على كراسي بلاستيك. "ممكن هاد عزا أو عرس" قلت لحالي. كان في أصوات ناس عم تتعالى. "لأ عالأغلب هاي عطوة". كل ما قربت اكتر على الخيمة كان الشجار يحتدم أكتر. بعد ما مرقت بعشرة أمتار انتقل الشجار للشارع. كان في كراسي، عصي ومسبّات عم تترامى بالهوا وناس عم تركض من كل مكان باتجاه الخيمة تشوف شو صار. أما انا فكنت رايحة بالاتجاه الثاني، باتجاه الوادي.
بس ما كنت لحالي. كان معي ولد صغير على التراكتورون اللي مرق قدامي جنب موقع البناء بسرعة وترك وراه غيمة غبرا كبيرة.
استاذ عبد الله، من سكان بيت حنينا، حكالنا إنه الوادي كان ملان آبار تاريخية اللي انطمرت مع الحفر وبناء الجدار. وانا عم بتطلع على خريطة google للوادي امبارح، شفت موقع اسمه "بير عمران" معلّم باللون الأزرق، نفس لون خط الوادي. كنت حابة أشوف إذا ممكن أميزه وأنا نازلة. بس وصلت قريب على الموقع ما شفت معالم اللي بتشبه بير حسب مخيّلتي. بس شفت منهل مجاري كبير. كان صوت المي اللي عم تمرق فيه عالية وريحتها قوية. "ايش لو كان هون موقع البير؟" سألت حالي. بعد ١٠ أمتار كان في كمان بير، قصدي منهل. كل ١٠ أمتار كان في بير. خلص، قررت أتخيل المناهل كآبار. وبدي أسمي هاي الطريق طريق الآبار.
صرت أعد بالآبار وأصورهم ، واحد ورا التاني. لما وصلت للبير رقم ١٢، كنت واصلة أوطى نقطة بالوادي. سمعت صوت طقطقة خفيفة، اطلعت على شمالي شفت قطيع غزلان عم بطلع على سفح الجبل من جهة شعفاط متل شال عم تلعب فيه الريح. صارلي زمان ما شفت هادا العدد من الغزلان. صرت أعد فيهم. خمسة أو ستة. يمكن سبعة. حركتهم سريعة ولونهم متل لون حجار الجبل. حاولت أقرّب منهم، بس كانوا أسرع من إنه عيني تمسكهم. كل خطوة بمشيها باتجاههم بتبعدني عنهم أكتر، لحد ما اختفوا عن مرآى عيني تماماً. قررت أرجع لطريقي. كملت أعد الآبار. على الأغلب فشقت بيرين أو تلاتة وأنا عم بحاول القط الغزلان.
لما وصلت للغابة الصغيرة،16 صوت السيارات المارقة فوق الجسر كان مسيطر على الفضاء. زي كأنه ظهر مرة واحدة. لما صرت تحت الجسر تماماً، حسيت السيارات متل السكينة اللي بتمرق فوق الجسم بدون ما تلمسه.
لما قطعت للجهة التانية، فجأة كلشي صار كبير. أكبر بكتير من حجم ممكن يستوعبه إنسان بمستوى نظره. فضاء لا إنساني بكل ما تحتويه الكلمة من معنى. جدار استنادي عالي، بارتفاع ١٠ طوابق، بسطّح وجه الجبل. بلشت أحس بالوقت وهو عم بمرق بِثْقِل خطوات رجليّ. بلش الخوف يسيطر علي. "اليوم لازم أوصل أبعد من الجسر" ذكرت حالي. كان أمامي خيارين، أو بروح على اليمين باتجاه بيت حنينا التحتى والوادي الغربي، أو بروح عالشمال باتجاه لفتا من وادي المغار.
اتطلعت على يميني شفت الشيك اللي بفصل الوادي عن بيت حنينا التحتى. كان في كلب أبيض عم بمشي تلاه. "بتمنى يكون مسالم" قلت لحالي. فجأة صار على الجهة التانية. "شو؟! كيف؟". قربت اكتر ع بين ما شفت الفتحة بالشيك. فتحة كبيرة بتمرق منها سيارة. لما وصلتها وقفت لمدة دقيقتين، مترددة. "معقول مسموح امرق من هون؟ ما في إشارة بتمنع." اخذت نفس وقطعت الشيك. لما قطعت انتبهت انه في كمان شيك حوالين الطريق الالتفافي . جنب الجسر فوق حسيت بحركة غريبة. الكلب بلش ينبح. خفت. "ايش بدي اعمل، انا لحالي هون والدنيا بلشت تعتم. اذا بدي أرجع مضطرة أمرق من جنب الكلب."17
سمعت صوت صياح جاي من فوق. سكت الكلب. ولد على حمار. "ايش وصله لهون؟" سألت حالي، "من وين اجا". اخدت صورة من بعيد وضليت واقفة محلي لحد ما نزل لعندي وقلي: "تخافيش الكلب الي".
أريج: "انت من جوا؟"
الولد: "لا انا مش من جوا"
أريج: "اه يعني من بيت حنينا البلد"
الولد: "لا انا من بيت اكسا"
أريج: "اه؟ بيت اكسا.. يعني في طريق من هون؟"
الولد: "اه في طريق. ليش صورتيني؟"
أريج: " متأسفة اذا مزعج لالك، بصور كلشي بشوفه. عم بشتغل على مشروع فني عن الوادي، عندك مشكله اذا بصورك؟"
سكت للحظة، لبس الطقية، دار ظهره لالي، كمل بطريقه وقلي: صوري.
طلع بموازاة الشارع الالتفافي. وقفت اراقبه لحد ما بلعه الجبل.
تحت الشارع على يميني كان في عبّارة باطون ضخمة. بيني وبينها كمان شيك.
ورا الشيك سهل بيت حنينا كان مفتوح قدامي.18 ورق شجر الزيتون لونه ذهبي بودع الشمس، وبيوت بعيدة صغيرة طالع منها صيحات صداها قريب، بسلم على كل مين مرق الوادي.
صوت أذان المغرب من بيت حنينا البلد طلع متل إنذار أخير يرسم خط النهاية لطريقي. طريق الآبار.
وشوي شوي صارت العتمة متل ساعة رمل كبيرة بتسبح فيها صراصير الليل. لقيت حالي بتسابق معاها، على مين راح يوصل البيت أول. أنا أو العتمة.
أريج الأشهب



مصرف مجاري - وادي بيت حنينا، تصوير أريج الأشهب، آب ٢٠٢١

المباني الحديثة في مستوطنة راموت، تصوير أريج الأشهب، آب ٢٠٢١

غابة صنوبر- وادي بيت حنينا، تصوير أريج الأشهب، آب ٢٠٢١

١٦- اتضح لنا أن هذه الغابة الصغيرة من أشجار الصنوبر هي بقايا لغابة أكبر كانت تغطي التلة التي بنيت عليها مستوطنة رامات شلومو. هذه الأراضي تتبع لقرية شعفاط، حيث أن بلدية الاحتلال صنفت هذا الأراضي كأرض خضراء يمنع البناء عليها وزرعتها بأشجار الصنوبر والسرو بعد احتلالها عام ١٩٦٧. في عام ١٩٩٤، صدر قرار تحويل هذه الأراضي إلى أراضي للاستخدام العام وصودق على مخطط لبناء حوالي ٢٥٠٠ وحدة سكنية لليهود المتدينين عليها.
المصدر:Jamal Amro and Raed Najjar, “Future Development of the Palestinian Neighbourhoods in East Jerusalem: Misuse of Environmental Concepts in Land Management,” International Journal of Environmental Studies 68, no. 4 (August 2011): 531–42, https://doi.org/10.1080/00207233.2011.585027
كتبت جمانة مناع في مقالتها على eflux عن هذه الغابة وذكريات الطفولة فيها:
“To the west of us is Shu’fat Ridge, a hillside that runs along the highway exiting the city. The hill used to be a planted pine forest, and up until the 1990s it was marked as a public green space to improve the air and quality of life for nearby residents. My brothers and I used to play there as kids. But as former Jerusalem mayor Teddy Kollek confessed after this area was “unfrozen” and earmarked for the construction of the Ramat Shlomo settlement in the early nineties, the primary purpose of defining Shu’fat Ridge as a green area was in fact to prevent Arabs from building there, until it was time to build a new Jewish neighborhood.”
المصدر: Jumana Manna, “Where Nature Ends and Settlements Begin,” www.e-flux.com, November 2020,
https://www.e-flux.com/journal/113/360006/where-nature-ends-and-settlements-begin/
١٧- الخوف الذي سيطر على أريج يذكر بشعور الطفل في رواية "معيوف" للكاتب عبد الله دعيس عند خروجه من قرية بيت حنينا ساعة الغروب للبحث عن أمه المتوفية في السماء: (نص)

المصدر: عبد الله دعيس، معيوف (القدس: دار الجندي للنشر والتوزيع، ٢٠١٦) ،٢٧
١٨- في مقابلة لنا مع أم شاكر حدثتنا عن أهمية الوادي الغربي وسهل بيت حنينا المحاذي له حيث أن تربتهما خصبة جداً بسبب قربها لمنطقة العيون. كان يقال للأرض السهلة المتاخمة للوادي "الميشة".

الصراصير
