حجارة الوادي

الوادي دخل حياتي من فترة طويلة، يمكن لما شفت أول قطعة أو عمل فني مصنوع على شكل انسان. اذا بفكر في الموضوع، مش عنجد بقدر اتذكر ايمتا بالزبط بلشت علاقتي فيه، بس بعرف انها بلشت لما في يوم من الأيام شفت صخرة وحدا حكالي انه هاي الصخرة عمرها آلاف السنين. 

بتذكر لما مرة زرت اللوفر في باريس وكنت واقف قدام تمثال جميل لتفاصيل آلهة. ما كنت عنجد مهتم في تفاصيل التمثال أو بالمعلومات اللي عم بحكيها المرشد. كنت في محادثة عميقة مع التمثال. دائما بتطلع على الحجر وبسأل نفسي كيف الحجر هالقد معمر!

وهي أنا، قاعد هون في الوادي مع حجارته، كبار وصغار، وبنط من صخرة للتانية. آخر مرة كنت بالوادي رجعتلي نفس الفكرة. رحت امسك واحد من الحجار ودخلت في تفكير عميق. رجعت سألت حالي "كيف الحجر هالقد معمر؟".

اطلعت على الحجار وفكرت قديش رائع هذا الوادي9. بتحسش بالوقت وهو عم بمرق بحضرته. وانا عم بغوص بهالأفكار، بلشت أقلب بالحجار الصغيرة على الأرض باجريّ. أريج وسيرين صاحوا فيي لما شافوني بعمل هيك وقالولي اترك الحجار بحالهم. يمكن كانوا عارفات اني غيران من الحجار وأزليّتهم. 

بتذكر لما مرة كنت قاعد بجمعة برام الله وغصت بمحادثة مع شب عن هويتنا الفلسطينية. كان عنده آراء مثيرة عن الموضوع، حبيته لهالشب. بتذكر لما حكالي كيف انه قضيتنا هي قضية هوية وانه الاحتلال عم بحاول يمحيها. اتطلعت عليه وقلتله: "بتعرف شو ؟ ما بتفق معك. ما بفكر انه قضيتنا هي قضية هوية. انت بتقدر تكون فلسطيني وين ما كنت بالعالم. قضيتنا هي قضية أرض وصراعنا هو عالحجارة. كل ما كترة حجارتك، كل ما كنت أقوى"10.

بتذكر لما مرة سألت أبوي: "بابا، زمان ما كانش الرز متوفر صح؟ ما كانش اشي مستخدم كتير مزبوط؟" حكالي انه لأ، كان الرز متوفر بس سيدي ما كانش يقدر  يشتريه لانه كان غالي. التجار كانوا يجيبوه من الهند. وبلش يحكيلي شو كانوا يعملوا بالأعراس. كانوا يرموا رز على العروس لأنه الرز كان غالي، وهم فرحانين. ما كانوا يهتموا انه يخسروه لانه هاي اللحظة أثمن من الرز بكتير. بتذكر لما مرة كنت بالوادي وقعدت افكر بالأولاد بالعيسوية اللي برموا حجار بأوقات الاحتكاك مع الجيش وأقارنها بالعادات القديمة مع الرز. الاولاد برموا الحجار عشان يقولوا للعالم عنا كتير منهم، احنا بنملك كل الأرض وبنقدر نستعملها وقت ما بدنا11

بتعرف اكم شخص قعد على هاي الصخرة قبل ما انا واياك نقعد عليها؟ يمكن الكنعانيين قعدوا بالزبط هون وين ما انا وسيرين وأريج قعدنا. يمكن قصة حب بلشت جنب هالصخرة. يمكن حدا مات جنبها وحكالها كل احلامه اللي كان بتمنى يحققها بحياته قبل ما يموت. الحجار ما عمرها بتحكيلنا لانه عندها هذا الوعد مع الله انها تبقى صامتة للأبد. 

بفكر أسمي الحجار في الوادي مثل ما بنسمي النجوم12. ليش لأ؟ بس لانهم ما يلمعوش وبنقدر نمسكهم بايدينا ما بستاهل نعطيهم اسماء؟ المرة الجاي راح اختار صخرة كبيرة واسميها ونصير صحاب كمان.

عبدو جولاني

٩-  في مقالتها على eflux، تحدثت جمانة مناع عن مشياتها في وادي بيت حنينا خلال فترة الاغلاقات بسبب جائحة كورونا ووصفت الصخور في المنطقة:



 “I step outside my parents’ house and walk westwards to the sahel (flat plane), through the old village, towards what remains of the olive groves that run beneath the bridges and alongside the highways exiting the city. Here, at the edges of the neighborhood, I become acquainted with a valley that kept me close to the magic of spring and allowed me to live through what I could not film. I look at the limestone rocks peppered across the hills. They are inhabited by various growths, and marked by signs of former lives. Two palm-sized depressions are carved into a bed of limestone—ancient basins to collect rainwater for animals. There are rocks that indicate cave openings. Some contain signs of an oil or wine press, while others serve as habitats for plants, snails, the pods of microorganisms, and suntanning beds for lizards.”



المصدر: Jumana Manna, “Where Nature Ends and Settlements Begin,” www.e-flux.com, November 2020,

https://www.e-flux.com/journal/113/360006/where-nature-ends-and-settlements-begin/.


١٠- كتبت أم شاكر على صفحتها "عيون بيت حنينا" عن أهمية الحجر في حياة أهالي القرية قديماّ حيث كان معظم الرجال يعملون في محاجر القرية ويحترفون مهن اقتلاع الحجارة ودقها:


١١-  كتب الرحالين المستشرقين في القرن التاسع عشر عن وادي بيت حنينا في رحلاتهم إلى القدس. كتب كل من روبنسون وسميث في مذكراتهم عن الوادي عند عبورهم فيه ووصفوا طبيعته الصخرية وكثرة حجارته:


المصدر: Edward Robinson and Eli Smith, Biblical Researches in Palestine, 1838-52 : A Journal of Travels in the Year 1838 (London: J. Murray, 1856), 256.


١٢- في كتابه "البيت العربي الفلسطيني"، كتب توفيق كنعان عن أنواع الصخور المختلفة في فلسطين وأسمائها ووصف نوع الحجر في منطقتي بيت حنينا وشعفاط:


المصدر: T Canaan, The Palestinian Arab House, Its Architecture and Folklore (Jerusalem: Syrian Orphanage Pr, 1933), 11.