
شو كان ممكن يكون شكله لو المي زارته كل الوقت؟
زوار الوادي
مشية الوادي اليوم كانت مصحوبة بزوار جدد، جوري أختى و ليلى صديقة أريج اللي أول مرة بزوروا الوادي و بتعرفوا عليه عن قرب. بلشنا مشيتنا من تحت جسر شارع رقم 1. صفينا ومشينا. كان الهدف الأساسي نلاقي موقع لحفريات آثار لاقيناه على خرائط جوجل وحبينا نشوف شو قصته. حسب الصور، كان مبين انه موقعه بالزبط تحت الجسر.
نزلنا باتجاه الوادي وتعربشنا بنباتات وازهار كتيرة باللون الأصفر والزهري اللي كانت طالعة بكثافة.
بالطريق صادفنا شباب على تركتورات. تحت الجسر كان في رسم جرافيتي، وخلال المشي صادفنا مواسير المجاري المعبية الوادي. كتير من مشاهد وادي بيت حنينا كانت تتكرر قدامنا. كل مرة نتأكد اكثر واكثر انه الوادي اليوم بخدم كمتنفس وملجأ لأهل القدس الشرقية اللي بفتقروا لمساحات طبيعية وبعيدة عن تدخل البنى المعاصر والمستعمرات الاسرائيلية اللي عم توسع بهمجية. بعد شوي وصلنا لطمم ترابي عالي كتير ووعر.
ما كان مبين معنا وين موقع الحفريات، بس كان حدسي انها موجودة بالمنطقة العلوية فوق الطمم اللي تحت الجسر بأكم متر. الطريق لهناك كانت وعرة ومنحدرة، وما كنا متأكدات اذا كانت مستاهلة الشعبطة. انا وليلى قررنا ناخد هالمغامرة. تشعبطنا وتزحلقنا شوي ورجعنا تشعبطنا.
ضلينا أنا و جوري تحت مش متاكدات انه الموقع الأثري رح يكون ع القمة واذا رح نضطر نلف وننزل.
المسار كان اطول واصعب من ما تخيلنا بالبداية بسبب طمم الحفر والصخور الكبيرة. بالآخر وصلنا. موقع الحفريات كان محوط بسياج مع لافتات مكتوبة بالعبري بتحذر من تجاوزه.
سمعنا أريج و ليلى بنادوا إنهم لاقوا الموقع. الطريق كانت صعبة وخطرة. بس وصلنا فوق المشهد كان صادم. تحت الجسر في حفر عملاقة برجع عمرها حسب بحث سريع على چوچل لخمسة آلاف سنة أو اكثر، اللي كانت عالاغلب تستخدم لتخزين الحبوب. جنبها كان في أكوام من بقايا الفخار.
وقفنا شوي نتمعّن قطع الفخار ونتخيل كيف كان شكلها ولأي عصر بتعود.
من هناك كان في طريق بتوصل لبيت قديم نصه مهدم. حسب ما فهمنا من شوية بحث انه هاد كان بيت مفتي القدس أمين الحسيني وهو البيت الوحيد الباقي من بعد النكبة وتهجير اهل قرية قالونيا و تدميرها.
من اجمل البيوت اللي شفتها بحياتي معماريا. ضايل منه ٤ واجهات وعواميد وقواس وسقفه مهدم.
توأم شبابيك في الواجهة المطلة عجسر شارع 1 و مليان شجر بري. هادا البيت هو واحد بس من بقايا القرى المهجرة اللي كانت مبنية على اطراف الوادي.
واحنا بالبيت، نزل الشتا واحتمينا شوي جواته نتأمل الوادي تحت والجسور اللي فوقه.
كملنا نمشي لتحت لحد ما وصلنا لممر طويل مرصوف بالحجر، ما عرفنا اذا هو قديم او جديد، بس بآخره كان في ماسورة ضخمة، واضح انها بتوفر ممر لمياه الوادي تحت الجسر. كنا نشوف متلها كتير بوادي بيت حنينا.
بمرحلة معينة الطريق المرصوف صار صعب للمشي بسبب كثافة النباتات المتعربشة اللي بتسكر الطريق. رجعنا ندور ع طريق تاني، ولقينا حديقة على مدخلها لافتة مكتوب عليها بالعبري "حديقة وادي الأرزة" للتعريف بـ"تاريخ الوادي". فيها أشجار مختلفة، عريشة ومطحنة زيتون حجرية قديمة. يبدو انه هالوادي بتكثر فيه الحدائق اللي بتحاول تمحي أي سياق تاريخي فلسطيني من خلال خلق روايات جديدة للآثار والأشجار اللي خلفها الفلاحين الفلسطينيين اللي تهجروا بالـ48.
كملنا نمشي على طريق مزفتة جنب الحديقة لحد ما وصلنا بيت حجري قديم يبدو أنه مرمّم. كان ملان مستعمرين، لدرجة انه ترددنا ندخله بالأول. ع المدخل لافتات بالعبري، بالإنجليزي وبالعربي بتروي انه يهودي اسمه يهوشوعه يلين بالقرن ال19 واكتشف في الموقع آثار من الفترة البيزنطية، وحول المكان لخان من ثم لكنيس وقاعة احتفالات. المبنى بيطل على الوادي وبوفّر مساحة للهيمنة على تاريخه وذاكرته اليوم.
بعد ما طلعنا من البيت رجعنا على السيارة من طريق غير اللي جينا منها، كانت ملانة طينة من الشتوة الأخيرة. مرقنا من جنب جسر على شكل قوستين عليهم ترويسة من حجر، تحتهم ميّة الوادي متجمعة وعاملة برك صغيرة. حسيت انه هالجسر حجماً وشكلا شوي مختلف عن الجسور اللي معبية الوادي.
سقنا باتجاه مستعمرة بيت زايت، قاصدين نوصل البحيرة؛ محطتنا الجاي بخريطة تتبع الوادي. كانت البحيرة ملانة مي والناس متجمعة ع اطرافها. هاد المشهد ما بتكرر الا بالشتاء والربيع لانه باقي الفصول البحيرة بتكون ناشفة.
اكتر شي ملفت بهاد الموقع هو سد المي اللي بناه الاحتلال في سنوات الخمسين كمحاولة للسيطرة مياه الوادي ودفعها للآبار الجوفية.
البحيرة محاطة بسياج مكتوب عليه لافتات: "لا تقترب خطر الغرق". قمنا لنشوف السد عن قرب ونكتشف شو مخبي وراه. لقينا فتحة صغيرة بالشبك، دخلناها. صوت المي كان عالي كتير على الجهة التانية من السد. ماسورة كبيرة في السد طالعة منها مياه بتغذي غابة أشجار برية مثل البلوط والخروب. حسينا انه الوادي غيّر هويته بعد السد، مثل وكانه عم بحكيلنا شو كان ممكن يكون شكله لو المي زارته كل الوقت بدون حدود أو سدود.
سيرين علوي
أريج الأشهب



