"كل حجر يتعلق بالحجر السابق والحجر الذي يليه اذهبوا وتعقبوا الحجارة."

الحجارة بتحكي

أول رجعة على الوادي كانت بشهر ٤. الربيع بالوادي يعني الطقس دافي، اللوز منور، محيط قرية لفتا المهجرة أخضر والصبر مليان مي. صفينا السيارة عند مسار المشي ونزلنا نستكشف. الوادي بشكّل ممر بفصل بين ضفتين ومحوّط بسياج من الشقتين. 

مسار الوادي نفسه اللي بنعرفه؛ مليان حجار، بقايا ونفايات. وثّقنا اللافتات اللي بتحذر من فيضان الوادي بفصل الشتا ومن الغرق واستذكرنا كل قصص الوادي في بيت حنينا والمي اللي جرفت الناس معها إلى الذاكرة.

لما اطّلعت لجوا غابة الصنوبر على الجهة الثانية من الوادي، شفت ركام حجار وبقايا جدران حجرية. الأرض كانت وعرة شوي بس حبيت أقرّب منهم أكثر واستكشف المنطقة اللي حواليهم. الجدران كانت على شكل غرف صغيرة أو احواض شبه مهدمة، ونبات الصبر مسيّجها. حاولت افهم شو وظيفتها بس كانت النباتات البرية مغطيتها لدرجة كان صعب أفهم شكلها الكامل.

نزلت من عند الغابة ورجعنا أنا وسيرين للضفة الثانية من الوادي باتجاه لفتا. بالطريق، اصطدمنا بموقع بناء كبير مسيّج وممنوع دخوله. ما عرفنا لشو وما قدرنا نشوف شو جواه ولا نمشي أكثر لفوق باتجاه مباني لفتا التاريخية. 

قررنا نرجع للسيارة ونروح باتجاه الغرب مع مسار الوادي. وقفنا عند حديقة تحت جسر لشارع سريع. الجو هناك كان غريب، ما بشبه جو الوادي اللي بنعرفه. كان في سياج حوالين مجرى الوادي ومسارات للبسكليت معبدة على ضفافه. مستعمرين بركضوا، بلعبوا وبشطحوا على الحشيش الأخضر.
هناك قابلنا راعي مع حماره. المشهد كان وكأنه الراعي طالع من عالم موازي لعالم مش عالمه ومحيط ما بشبهه. وقفنا نحكي معه وشرح لنا قديش صار صعب يجي مع أغنامه اللي بطل الهم محل يرعوا فيه، كيف جدار الفصل حد من حركته وتنقله بين الاراضي اللي كان متعود يستعملها للرعي، وكيف اليوم حركته محدودة ومهنته عم تنقرض بسبب شح الأراضي والإمكانيات لتربية المواشي. البيئة الجديدة بطلت تستقبله وصارت غريبة.

 حكالنا انه هو بدوي مستقر حاليا على حدود بيت اكسا: "بالخريف بننتقل على مناطق أريحا وبرجع لبيت اكسا بالربيع."

سألناه وين غنماته، حكالنا انهم مع ابنه عم برعى فيهم على سفح الجبل عند بيت اكسا: "اذا بتحبوا تشوفوا الغنمات اطلعوا الطريق هاد لفوق بتلاقوهم على يمينكم."

ودعناه وكملنا بطريقنا بالسيارة باتجاه الشارع اللي وصفلنا اياه. واحنا طالعين، الجبل كان مغطى بغابات من الصنوبر. بالآخر وصلنا لساحة كبيرة مدورة مبنية من حجر وفي وسطها نصب تذكاري. استغربنا ونزلنا نشوف شو هاد المكان. 

لقينا هناك لافتة بتدل على نصب تذكاري لحادث ١١/٩. موقعها بعيد، معزول بنص الغابة وفاضية، زي كلشي بحيط بهاد الوادي، بعيد عن وظيفته الأساسية وما اله علاقة فيه. 

بعدما ما لاقينا الغنمات، نزلنا ندور على موقع عين مي اسمها "تيلم" شفناه على الخريطة. 

على الطريق كنا محاطين من اليمين ومن اليسار بكروم مسيجة من العنب ومحاصيل تانية للمستوطنات المحيطة.

لما وصلنا، كان في منتزه مع مسار مشي بجمع حجارة محفور عليها معلومات بالعربي والعبري مصطفة على طول المسار:

"ينتشر حول ينابيع تيلم 35 حجر في مسار على الحجارة تجدون معلومات حول الطبيعة المدنية والزمن في وديان متنزه القدس. كل حجر يتعلق بالحجر السابق والحجر الذي يليه اذهبوا وتعقبوا الحجارة."

معلومات مفرغة من سياقها التاريخي ومن العنف اللي تعرض لاله المشهد وأهله على مر السنين. حوالين الحجارة في ألعاب منحوتة من الحجر "مستوحاة" من المشهد، بتزيد على العنف عنف آخر مغسول بشعارات التعلم والارتباط بالمشهد من خلال "اللهو واللعب."
بآخر الطريق وصلنا موقع عين المي. دورنا على المي بس ما لقينا غير صنابيرحجرية اصطناعية لشرب المياه. عند موقع العين كان في مبنى حجري قديم حواليه بركتين فش فيهم ولا نقطة مي، بركة كبيرة مرصوفة بحجارة على شكل مدرج دائري وبركة صغيرة متراكمة فيها الزبالة. حوالين موقع العين مستعمرين جايين يقضوا عطلتهم الاسبوعية عند العين المهجورة بس منزعجين من الريحة الكريهة ومش عارفين وين يقعدوا. أما احنا، قعدنا على مقعد صغير تحت الشجرة اللي جنب البركة، نتأمل المكان لدقيقة بحجارته، طيوره وأشجاره، ونحاول نفهم تاريخه، لحد ما أبطلت قهقهات المستعمرين المتنزهين كل فرصة للتأمل، فعدنا أدراجنا…

سيرين علوي

أريج الأشهب